Posted in Activities

الحرف اليدوية في لبنان

hirafiyat

لا  يزال كثيرون يحبّون الشرب من إبريق الفخّــار، وكثيرات يرغبن بالتميّــز في ارتداء عباءة شرقية مطرّزة. ولا أجمل للهدايا من سكاكين وخناجر مزخرفة تنفرد جزين بصناعتها، أو مجوهرات فضية تشتهر بها قرية راشيا الوادي.

تتطلّب الحِرَف صبراً ودقةً لأنها تعتمد على الأيادي. وهي مهدّدة بالزوال وباتت محصورة بالجيل القديم وفي قرى لبنانية ترتبط بها الحرف اليدوية.

السلال المقششة: عمشيت، كواشرا وزغرتا

ارتبطت حرفة صناعة السلال بالحياة اللبنانية الريفية، وهي تحوّلت رفيقة الفلاح اللبناني في المواسم.

تقوم هذه الحرفة على قشّ منقوع بالمياه حتى يلوي فلا يتقصّف، وعلى مهارة يدوية بِجدْل أوراق النخيل، وعقده تسع أوراق جدائل يكبرها الحرفي قدر ما يشاء، ثم يحوّلها إلى دائرة ويخيطها بتؤدة من القاعدة حتى الجوانب حتى تتّخذ الشكل المطلوب: سلّة أم قبّعة أم حقيبة للبحر.

يبدأ الحرفي أولاً في حياكة قعر السلة على شكل نجوم ثم يصنع الجدائل على الجوانب وأخيراً يُنهي عمله بتثبيت المسكات.

تنتشر هذه الحرفة في ثلاث مناطق لبنانية: عمشيت، كواشرا، زغرتا.

كواشرا قرية صغيرة في قضاء الهرمل، يتكلّم أهلها التركمانية والعربية. تنمو فيها نبتة تُقطَع وتحوَّل إلى خيوط تُصبغ وتُجفّف وتصبح مجموعة جدائل ملوّنة تُستخدم أيضاً لصناعة الصواني، ويستخدمها بعض الحرفيين في الهرمل لخياطة سجّــادة الصلاة. وتنتشر صناعة القصب أيضاً في زغرتا، الحلوة، كفريا، وصيدا، ومنه تُصنع سلال نقل الفواكه والخضَر.

الخزف: راشيا، “آصيا” (شمالي لبنان)، بيت شباب والشوف

منذ عثور الإنسان على الفخار، اكتشف إمكان إعطائه شكلاً بيديه، وجعله قاسياً على النار، فشرع يقولب الخزف ويطوّر صناعته حتى باتت اليوم صناعة السيراميك. بين قرى تحتضن هذه الصناعة تتميز “آصيا” (شمالي لبنان) بالخزف البدائي تعمل عليه نساء لا يستعملن له سوى أيديهن دون اللجوء إلى أي وسيلة متطورة. ولا يعملن سوى في الصيف، ويصنعن الأواني الخزفية من صحون وأباريق ومقالٍ تمتاز بجودتها وصلابتها.

على 20كلم من بيروت، في بيت شباب، تبدو صناعة الخزفيات على آخر رمق وهي الحرفة الأولى في القرية. تُصنع الخزفيات على الطريقة التقليدية لا سيما الجرار الضخمة المطلية بداخلها بالميناء، وتستعمل في الأرياف والقرى لحفظ زيت الزيتون والعرق.

للشوف أيضاً خزفياته في خلدة والناعمة وجسر القاضي وبشتفين، حيث يصنع الحرفيون أواني المائدة كأطباق المازة، أباريق الشاي والقهوة، ويعتمدون أشكالاً هندسية وألواناً مختلفة. راشيا الفخار (جنوب لبنان) اكتسبت إسمها من شهرتها في صناعة الخزف على أنواعه، ففيها أباريق فخارية تتّــخذ أشكالاً هندسية مختلفة وتشرب فيها المياه الباردة في مختلف فصول السنة.

نفخ الكؤوس والأكواب: البدّاوي، الصرفند

الزجاج أقدم مادة صناعية تاريخياً. اكتشفه المصريون فنفخوا فيه وحوّلوه إلى كتل دائرية صنعها الحرفيون في ما بعد أشكالاً جميلة. تنتشر هذه الصناعة في منطقتين لبنانيتين: البدّاوي (قرب طرابلس) والصرفند على 14كلم من صيدا. من الألوان في منطقة البداوي: قوس قزح. والأشكال: كؤوس، مناضد للشموع، وسواها. التقنية المستعملة في نفخ الزجاج تعود إلى عصور سحيقة، ولشغله يجلس الحرفي على كرسي منخفض من القشّ عاقداً على جبينه رقعة قماش لامتصاص العرق الذي تسببه النار المشتعلة والخارج لهبها من فوهة الفرن، ويُمسك قطعة حديدية طويلة ذات مسكة خشبية يُدخلها إلى الفرن ويجلب الزجاج الذي يكون في شكل دائري ثم ينفخ فيه مرات عدة، فينتفخ الزجاج ويتمدّد. بعد النفخ يصنع العنق ويضع المسكات بطريقة هندسية تختلف من قطعة إلى أخرى.

رغم اعتماد تقنية مشابهة، تختلف حرفة نفخ الزجاج في الصرفند عنها في البداوي، فالزجاج لا يكون سميكاً ولا تتخلّله فقاعات هوائية ظاهرة، بل تتميز القطعة بصفاء لافت وهي عادة ما تكون جراراً وأباريق وآنية للأزهار وكؤوساً.

صناعة الجلود: طرابلس القلمون والدورة

تحتاج هذه الحرفة إلى شاكوش ومقصّ وسندان. ينحني الحرفيون ساعات طويلة ليحوّلوا المساحات الناعمة إلى لون ذهبي أو فضي وإلى أغراض متنوعة. هكذا نرى ثريا تضاء على الزيت مستوحاة من العصر الأموي فيندمج الجلد بالزجاج المنفوخ، ونرى المباخروالصواني والقناديل الجلدية والثريات الشرقية القديمة التي تنمّ عن قدرة الفنان ومهارته. ثمة تقنيات عدة لصناعة الجلد المقصوص أو الممدّد. ومهما كانت التقنية، يُنجز الحرفي مراحل عدة مثل تحديد شكل القطعة عبر تحميته للجلد وطيه وصقله، ثم يحدّد الرسم الذي يريده.

الحياكة: زوق مكايل، الشوف، كوسبا

الحياكة فصل هامّ من تاريخ لبنان الحديث، شغلت عائلات ومناطق بأكملها. في زوق مكايل حيكت الأعلام اللبنانية الثلاثة الأولى. فالحائكون في سوق الزوق العتيق في حركة لا تهدأ، يحيكون حقائب صغيرة، وعباءات وسترات حريرية. في كوسبا (شمال لبنان) كما في شحيم (الشوف) تتم حياكة الخيام والسجاد من شعر الماعز. بعد الحياكة تُبَلّل القطعة بالمياه فتضيق ولا تتسرب إليها المياه. هذه الخيام المرتبطة عادةً بحياة الرحالة تساعد على اتقاء عواصف الشتاء وقيظ الصيف. يتم شراء شعر الماعز من بعلبك، فيغسل وترتبه نساء القرية ثم ينكبّ الرجال على حياكته.

تطريز العباءات: معظم مناطق لبنان على طريقتها الخاصة

الأنامل السحرية وراء حرفة التطريز، غالباً في قرى نائية تُرسلها إلى المحالّ المختصّة في العاصمة. في الشمال ينتشر التطريز في طرابلس وزغرتا والبترون، وفي جبل لبنان نجده في الزوق وجونيه، وفي الشوف في دير القمر وبعقلين، في البقاع في زحلة بعلبك وجب جنين، وفي الجنوب في صيدا وصور، وكذلك في بيروت. ولكل من هذه المناطق خصوصيتها في التطريز. في بعلبك تنتشر تقنية “الطرق” (تطريز المناديل وأثواب الموسلين بخيط فضي). وتختص نساء بعلبك بتقنية “العيا”: شريط محبوك من زهور ملونة تزين أطراف الأثواب والعباءات. هي ذي بعض حرفنا العريقة المرتبطة وثيقاً بتاريخنا المجيد.

فلنحافظ عليها ونجلّ الأيادي البيضاء التي تصنعها.

Author:

addicted to all hand made craft, home deco , fruits decoration ....

Leave a comment